يوم آخر لتكتشف نفسك

الحب الصادق هو عاطفة متفجرة تأخذك بألبابك دون سابق إنذار، وهذه العاطفة أخاذة وقوية بشكل مذهل وقوة لا مثيل لها. 

ومن يحب بحق، هو إنسان يحب نفسه والغير، ولكن ما يفترض أن يحصل هو أن يحب نفسه أولاً قبل أن يحب الغير، ولا أن يساعد غيره على حساب نفسه. 

وأجزم لكم بأن هذا الإنسان روح طاهرة بريئة في عالم مختلط فيه كل شيء. هو يرغب بشدة أن يساعد كل من يستطيع مساعدته، وذلك لأنه يجد سعادته ونفسه وحياته في إسعاد الآخرين ومساعدتهم بدءً بوالديه ثم إخوته ثم أصحابه ومن ثم كل من يحب ويعز عليه، وحتى مساعدة وإسعاد الغريب القريب والبعيد. 

وفي يوم ما استوعب هذا الإنسان أنه فقير جداً في داخله، وأنه لا يحب نفسه كما ينبغي. حيث كان يعتقد أنها أنانية أن يهتم بنفسه بدلاً من الاهتمام بالغير، وخاف بشدة من أن يتحول لإنسان مغرور متكبر. 

وهو يعرف كيف يسعد ويساعد غيره دون النظر نفسه، ولا يزال يعشق ذلك بسبب طاقته الإيجابية وحبه للخير وحبه لغمر العالمين بفيض من المشاعر العميقة لإحياء الطاقة فيهم ولو بنسبة ضئيلة، وقد جنى ثمار عمله ولا يزال يجنيه بسبب جذوره المتجذرة في أعماق الكون الخصب الذي أنشأه بحبه وصدقه. 

ومن ثم قرر قراراً مصيرياً ألا وهو أن يرى نفسه ويبحث عنها، وذلك ليجدها ويعاملها كما يعامل الغير وأفضل، فهي تستحق منه كل حب ودفء وحنان وحماية، وبحث طويلاً ولا يزال يبحث عن معنى وجوده في الحياة إلى جانب طاعة ربه وإعمار الأرض كما أمره ربه. 

وبعد قراءته لكتاب للكاتب فيكتور فرانكل عنوانه "الإنسان والبحث عن المعنى" وجد معاني عديدة لوجوده في هذه الحياة، وتعلم حب النفس والثقة بنفسه شيئاً فشيئاً، ولا يزال يحاول الوصول لنفسه بشكل أعمق وصقل مهاراته وقدراته من أجل مساعدة نفسه، وذلك ليستطيع بعد ذلك غمر الكون بحب أصدق ومشاعر أقوى وأعمق للإنسانية جمعاء وللعالمين أجمع بمختلف أجناسهم وأعراقهم وألوانهم وديانتهم وأي اختلاف ممكن، فهذا الإنسان يثق ثقة مطلقة أننا بشر خلقنا الله لنعامل بعضنا البعض بإنسانية وعدل وصدق ومحبة ومودة، وأما الثواب والعقاب لا دخل للخلق فيه بل هو بيد رب الخلق وحده سبحانه وتعالى، فدع الخلق للخالق. 

وهذا الإنسان يعاني بالطبع ليصل لما يريده وهي طبيعة الحياة ورحلته فيها، وهو يعمل جاهداً لتخليد قصته في تاريخ البشرية، وكلنا لنا حياتنا ومعنى لوجودنا فلنبحث عنه بصدق ولنواجه الحقيقة مهما كانت مرة فهي أفضل بألف بل بمليون مرة من الوهم المريح. واجه نفسك بصدق، واسألها: "ماذا فعلت لك وبك؟ وأين وصلت بك؟ وماذا يمكنني أن أقدم لك كما ينبغي وكما تستحقين؟". 

وهكذا يوم وراء يوم آخر ستعيش وستعاني وستفرح وستبكي وستشعر بالارهاق وستتخبط مشاعرك وأفكارك كثيراً وستسقط كثيراً، ولكن لا تستسلم فأنا أعدك بأنك ستصل إن كنت صادقاً بحق لتصل لنفسك وتحققها، وأثق بقدرتك على ذلك، وربنا ورسوله صل الله عليه وسلم أمرانا بالعناية بالنفس وحمايتها فهي هبة من الله لنا، وليست لنا وحدنا، فاعتبر نفسك هدية من ربك لك فكيف ستعامل هذه الهدية؟ هذا القرار لك وحدك. 

وإن لم تستطع فعل شيء لنفسك رغم صدقك وجهودك فاطلب المساعدة من اختصاصي نفسي يساعدك، وطلب المساعدة قوة وصدق لا مثيل لهما، وأنتم أقوياء بحق وستصلون. 

ويوم وراء يوم آخر ستجد المتعة في رحلة استكشاف ذاتك ونفسك بعمق حقيقي. 

استمتعوا برحلتكم بحفظ الله ورعايته. 


تم تحريره يوم الأربعاء بتاريخ 2021/06/30 

بقلم ريم القحطاني، فِكْرْ


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

توق وشوق لمن يسكن أعماقك رغم كل شيء

تألق وألق يخترق أبعاد الكون